الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: طبقات الشافعية الكبرى **
أحد أذكياء الزمان برع فقها وعلما وأصولا ومنطقا وقرأ المعقولات على شارح المحصول الشيخ شمس الدين الأصبهاني مولده سنة أربع وخمسين وستمائة سمعت الشيخ الإمام الوالد رحمه الله يقول قال لي ابن الرفعة من عندكم من الفضلاء في درس الظاهرية فقلت له قطب الدين السنباطي وفلان وفلان حتى انتهيت إلى ذكر البارنباري فقال ما في من ذكرت مثله توفي سنة سبع عشرة وسبعمائة بالقاهرة ومن مباحثه في السؤال الذي يورد في قوله تعالى وقد أجاب الناس عن هذا بأجوبة كثيرة ومن أحسنها مانحاه هذا الرجل فإنه قال الأمر في الآية على خلاف ما فهم والمنفي أولا إنما هو الخاص وثانيا العام ويعرف ذلك من قوله تعالى {لاَ تَأْخُذُهُ} أي لا تغلبه ولا يلزم من عدم أخذ السنة له التي هي قليل من نوم أو نعاس عدم أخذ النوم له فقال {وَلاَ نَوْمٌ} وعلى هذا فالسؤال منتف وإنما يصح إيراده أن لو قيل لا يحصل له سنة ولا نوم هذا جوابه وهو بليغ إلا أن لك أن تقول فلم لا أكتفي بنفي أخذ النوم على هذا التقرير الذي قررت وما الفائدة حينئذ في ذكر السنة ومن سؤالاته في الفقه قوله سوى الأصحاب بين المانع الحسي والشرعي فيما إذا باع جارية حاملا بحر أو باع جارية إلا حملها فإن الصحيح فيهما البطلان ولم يفعلوا ذلك فيما إذا باع دارا مستأجرة فإن الصحيح الصحة فيها والبطلان فيما إذا باع دارا واستثنى منفعتها شهرا وأجاب وقد سئل كيف يقول الغزالي إن النية في الصلاة بالشروط أشبه وهو شرط أن تكون مقارنة بالتكبير والتكبير ركن فيتحد زمان الركن والشرط مع كون الركن لا بد أن يكون داخل الماهية والشرط خارجا بأن المراد بالداخل ما تتقوم به الماهية ولا تصدق بدونه وبالخارج ما ليس كذلك سواء أقارن الداخل في الزمان أم لا فالترتيب ليس في الزمان والنية لا تتقوم بها الصلاة لجواز أن توجد بلا نية وتكون صلاة فاسدة وكذلك ترك الأفعال الكثيرة في الصلاة فإنه شرط مع كونه لا يوجد إلا داخل الصلاة وكذلك استقبال القبلة بخلاف التكبير فإنه متى انتفى انتفت حقيقة الصلاة هذا جوابه وهو على حسنه قد يقال عليه هذا إنما يتم إذا قلنا إن الصلاة موضوعة لما هو أعم من الصحيح والفاسد لتصدق صلاة صحيحة وصلاة فاسدة أما إذا قلنا إنها إنما هي موضوعة للصحيح فقط فحيث انتفى شرطها لا تكون موجودة وقد حكى الرافعي الخلاف في أن لفظ العبادات هل هو موضوع لما هو أعم من الصحيح والفاسد أو مختص بالصحيح حيث قال في كتاب الأيمان وسيأتي خلاف في أن لفظ العبادات هل هو موضوع لما هو أعم من الصحيح والفاسد أو مختص بالصحيح وإن كان لم يف بما وعد إذ لم يحكه بعد على ما رأيناه وسيأتي في ترجمة الشيخ الإمام ما فيه مزيد تحقيق عن السؤال الشيخ نجم الدين شارح التنبيه وصنف أيضا في الفقه مختصرا لخص فيه كتاب المعين واختصر كتاب الترمذي في الحديث وكان أحد أعيان الشافعية دينا وورعا سمع بدمشق من ابن البخاري وغيره وبالقاهرة من ابن دقيق العيد وغيره وولي القضاء بدمياط وبلبيس وأشموم وغيرها مولده سنة ستين وستمائة ومات بمصر في رابع عشر المحرم سنة تسع وعشرين وسبعمائة تفقه على والده وعلى الشيخ شرف الدين المقدسي وسمع الحديث من القاسم الإربلي والمسلم بن علان وطائفة وقعت لنا عنه أناشيد من نظمه ولم يقع لنا حديثه كان إماما كبيرا بارعا في المذهب والأصلين يضرب المثل باسمه فارسا في البحث نظارا مفرط الذكاء عجيب الحافظة كثير الاشتغال حسن العقيدة في الفقراء مليح النظم جيد المحاضرة ولد بدمشق ونشأ بها وانتقل إلى القاهرة وبها توفي وتنقلت به الأحوال وله مع ابن تيمية المناظرات الحسنة وبها حصل عليه التعصب من أتباع ابن تيمية وقيل فيه ما هو بعيد عنه وكثر القائل فارتاب العاقل كان الوالد رحمه الله يعظم الشيخ صدر الدين ويحبه ويثني عليه بالعلم وحسن العقيدة ومعرفة الكلام على مذهب الأشعري درس بدمشق بالشاميتين والعذراوية وولي مشيخة دار الحديث الأشرفية وباشرها مدة ثم درس في آخر عمره بالقاهرة بزاوية الشافعي والمشهد الحسيني وهو أول من درس بالمدرسة الناصرية بها ذكره القاضي شهاب الدين بن فضل الله في تاريخه فقال إمام له نسب في قريش أعرق وحسب في بني عبد شمس مثل الشمس أشرق وعلم لو أن البحر شطأ شبهه لأغرق وفهم لو أن الفجر سطع نظيره لأحرق وثبت طنب على المجرة ومد رواقه فتلألأ بالمسرة ونشر رايته البيضاء الأموية وحولها ثغور الكواكب المنيرة وارتفع أن يقاس بنظير واتضع والثريا تاج فوق مفرقه والجوزاء تحته سرير وهمة دون السما لا يقصرها وحكمة عن سبق القدما لا يؤخرها مع جبين وضاح ويمين منها الكرم يستماح وأدب أشهى من رشف الرضاب وأحلى من رضا الحبائب الغضاب وخلق شرح الله صدره ومنح فضله أندت الرياض المخضرة انتهى وللشيخ صدر الدين كتاب الأشباه والنظائر ومات ولم يحرره فلذلك ربما وقعت فيه مواضع على وجه الغلط مثل حكايته عن بعض الأئمة وجهين فيما إذا كشف عورته في الخلاء زائدا على القدر المحتاج هل يأثم على كشف الجميع أو على القدر الزائد وهذا لم أره في كتاب وذكره شيخ الأدباء القاضي صرح الدين الصفدي فقال أما التفسير فابن عطية عنده مبخل والواحدي شارك العي لفظه فتخيل وأما الحديث فلو رآه ابن عساكر لانهزم وانضم في زوايا تاريخه وانحزم وأما الفقه فلو أبصره المحاملي ما تحمل من غرائب قاضي النقل عنه وما نصب ورجع عما قال به من استحباب الوضوء من الغيبة وعند الغضب وأما الأصول فلو رآه ابن فورك لفرك عن طريقته وقال بعدم المجاز إلى حقيقته وأما النحو فلو عاصره عنبسة الفيل لكان مثل ابن عصفور أو أبو الأسود لكان ظالما وذنبه غير مغفور وأما الأدب فلو عاينه الجاحظ لأمسى لهذا الفن وهو جاحد أو الثعالبي لراغ عن تصانيفه وما اعترف منها بواحد وأما الطب فهو شاهده ابن سينا لما أطرب قانونه أو ابن النفيس لعاد نفيسا قد ذهبت نونه وأما الحكمة فالنصير الطوسي عنده مخذول والكاتبي دبيران أدبر عنه وحده مفلول وأما الشعر فلو حاذاه ابن سناء الملك فنيت ذخيرة مجازاته وحقائقه أو ابن الساعاتي ما وصل إلى درجته ولا انتهى إلى دقائقه وأما الموشحات فلو وصل خبره إلى الموصلي لأصبح مقطوع الذنب أو ابن زهر لما رأى له السماء نجما إلا هوى ولا برجا إلا انقلب وأما البلاليق فابن كلفة عنده يتكلف وابن مدغليس يغلس للسعي في ركابه وما يتخلف انتهى قليل مما ذكره القاضي صلاح الدين بلفظه وكانت للشيخ صدر الدين صدقات دارة ومكارم حاتمية ما أشك أنها كانت دافعة لكثير من السوء عنه فلطالما دخل في مضايق ونجا منها ومن أحسن ما بلغني عنه من صدقاته ما حكاه صاحبه الحافظ شهاب الدين العسجدي قال كنت معه ليلة عيد فوقف له فقير استجداه فقال لي أيش معك فقلت مائتا درهم فقال ادفعها إلى هذا الفقير فقلت له يا سيدي الليلة العيد وما معنا ما ننفقه غدا فقال لي امض إلى القاضي كريم الدين الكبير وقل له الشيخ يهنئك بهذا العيد فلما رآني كريم الدين قلت له ما قاله لي الشيخ قال كأن الشيخ يعوز نفقة في هذا العيد ودفع إلي ألفي درهم وقال هذه للشيخ ولك أنت ثلاثمائة درهم فلما حضرت بالدراهم إلى الشيخ قال صدق رسول الله ( الحسنة بعشر أمثالها ) هذه مائتان بألفين ولد الشيخ صدر الدين سنة خمس وستين وستمائة وتوفي بالقاهرة في سنة ست عشرة وسبعمائة أنشدنا الحافظ أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن عبد المحسن العسجدي بقراءتي عليه قال أنشدنا الشيخ صدر الدين بن المرحل لنفسه من لفظه ليذهبوا في ملامي أية ذهبوا ** في الخمر لا فضة تبقى ولا ذهب والمال أجمل وجه فيه تنفقه ** وجه جميل وراح في الدجا لهب لا تأسفن على مال تمزقه ** أيدي سقاة الطلا والخرد العرب فما كسوا راحتي من راحها حللا ** إلا وعروا الهم واستلبوا راح بها راحتي في راحتي حصلت ** فتم عجبي بها وازداد لي العجب ومنها وليست الكيميا في غيرها وجدت ** وكل ما قيل في أبوابها كذب قيراط خمر على القنطار من حزن ** يعيد ذلك أفراحا وينقلب عناصر أربع في الكأس قد جمعت ** وفوقها الفلك السيار والشهب ماء ونار هواء أرضها قدح ** وطوقها فلك والأنجم الحبب ما الكأس عندي بأطراف الأنامل بل ** بالخمس تقبض لا يحلو بها الهرب شججت بالماء منها الرأس موضحة ** فحين أعقلها بالخمس لا عجب صفراء فاقعة في الكأس ساطعة ** كالتبر لامعة كاساتها سحب وإن أقطب وجهي حين تبسم لي ** فعند بسط الموالي يحفظ الأدب وهي طويلة أنشدها العسجدي بجملتها وقد اقتصرنا على ما انتقيناه منها وانظر هذا الفقيه ما أحلى قوله شججت بالماء البيت وما أحسن استحضاره لمشكلات الفقه في هذا المقام وأحسبه قصد بها القصيد معارضة ابن الخيمي في قصيدته الغزلية التي ادعاها ابن إسرائيل وهي قصيدة بديعة غراء مطلعها يا مطلبا ليس لي في غيره أرب ** إليك آل التقضي وانتهى الطلب وما طمحت لمرأى أو لمستمع ** إلا لمعنى إلى علياك ينتسب وما أراني أهلا أن تواصلني ** حسبي علوا بأني فيك مكتئب لكن ينازع شوقي تارة أدبي ** فأطلب الوصل لما يضعف الأدب ولست أبرح في الحالين ذا قلق ** باد وشوق له في أضلعي لهب ومدمع كلما كفكفت أدمعه ** صونا لذكرك يعصيني وينسكب ويدعي في الهوى دمعي مقاسمتي ** وجدي وحزني ويجري وهو مختضب كالطرف يزعم توحيد الحبيب ولا ** يزال في ليله للنجم يرتقب وأنشدنا الحافظ أبو العباس العسجدي بقراءتي عليه قال أنشدنا الشيخ صدر الدين من لفظه لنفسه يا رب جفني قد جفاه هجوعه ** والوجد يعصي مهجتي ويطيعه يا رب قلبي قد تصدع بالنوى ** فإلى متى هذا البعاد يروعه يا رب بدر الحي غاب عن الحمى ** فمتى يكون على الخيام طلوعه يا رب في الأظعان سار فؤاده ** وبوده لو كان سار جميعه يا رب لا أدع البكا في حبهم ** من بعدهم جهد المقل دموعه يا رب هب قلب الكئيب تجلدا ** عمن يحب فقد دنا توديعه يا رب هذا بينه وبعاده ** فمتى يكون إيابه ورجوعه يا رب أهلا ما قضيت وإنما ** أدعو بعودهم وأنت سميعه ومن موشحاته دمعي روى مسلسلا بالسند ** عن بصري أحزاني لما جفا من قد بلا ** بالرمد والسهر أجفاني غزال أنس نافر ** نيطت به التمائم وغصن بان ناضر ** أزهاره المباسم قلبي عليه طائر ** تبكي له الحمائم وإن غاب فهو حاضر ** بالفكر لي ملازم كم قد لوى على الولا من موعد ** لم يفكر في عاني وقد كفى ما قد بلا بالكمد ** والفكر ذا الجاني أزرى بغزلان النقا ** وبانه وحقفه كم حل من عقد تقى ** بطرفه وظرفه لم أنسه لما سقا ** من ثغره الإلفه سلاف ريق روقا ** في ثغره لرشفه قد احتوى على طلا وسهد ** ودرر مرجان ورصعا وكللا بالبرد ** والزهر للحان أماله سكر الصبا ** ميل الصبا بقده وفك أزرار القبا ** وحل عقد بنده وسدنه زهر الربا ** وساعدي لسعده وبت أرعى زغبا ** من فوق ورد خده مثل الهوى هب على روض ند ** من طرر ريحاني قد لطفا حتى علا مورد ** مزهر نعماني خد به خد البكا ** في صحن خدي عذرا ورد لما أن شكا ** سائل جمعي نهرا كم مغرم قد تركا ** بين البرايا عبرا يا من إليه المشتكى ** الحال يغني النظرا وإذا الهوى فانهملا دمعي الصدي ** كالمطر هتاني وما انطفا واشتعلا في كبدي ** كالشرر نيراني يا فرحة المحزون ** وقرحه لمن يرى إن صلت بالجفون ** وصدت من جفني الكرا فليس من يحمين ** سوى الذي فاق الورى شمس العلا والدين ** أبي سعيد سنقرا مولى حوى كل العلا ** وسؤدد من معشر فرسان وقد صفا ثم حلا في المورد ** للمعصر والعاني ومنها غدا منادينا محكما فينا ** يقضي علينا الأسى لولا تأسينا بحر الهوى يغرق ** من فيه جهلا عام وناره تحرق ** من هم أوقد هام وربما يقلق ** فتى عليه نام قد غير الأجسام وصير الأيام ** سودا وكانت بكم بيضا ليالينا يا صاحب النجوى ** قف واستمع مني إياك أن تهوى ** إن الهوى يضني لا تقرب البلوى ** اسمع وقل عني بحاره مره خضنا على غره ** حينا فقام بها للنعي ناعينا من هام بالغيد ** لاقى بهم هما بذلت مجهودي ** لأحور ألمى فهم بالجود ** ورد ما هما وعندما قد جاد بالوصل أو قد كاد ** أضحى التنائي بديلا من تدانينا بحق ما بيني ** وبينكم إلا أقررتم عيني ** فتجمعوا الشملا فالعيش بالبين ** بفقدكم أبلى جديد ما قد كان بالأهل والإخوان ** ومورد اللهو صاف من تصافينا يا جيرة بانت ** عن مغرم صب لعهده خانت ** من غير ما ذنب ما هكذا كانت ** عوائد العرب لا تحسبوا البعدا يغير العهدا ** إذ طالما غير النأي المحبينا يا نازلا بالبان ** بالشفع والوتر والنمل والفرقان ** والليل إذا يسري وسورة الرحمن ** والنحل والحجر هل حل في الأديان أن يقتل الظمآن ** من كان صرف الهوى والود يسقينا يا سائل القطر ** عرج على الوادي من ساكني بدر ** وقف بهم نادي عسى صبا تسري ** لمغرم صادي إن شئت تحيينا بلغ تحايينا ** من لو على البعد حيا كان يحيينا وافت لنا أيام ** كأنها أعوام وكان لي أعوام ** كأنها أيام تمر كالأحلام ** بالوصل لي لو دام والكأس مترعة حثت مشعشعة ** فينا الشمول وغنانا مغنينا ومنها ما أخجل قده غصون البان ** بين الورق إلا سلب المها مع الغزلان ** سود الحدق قاسوا غلطا من حاز حسن البشر ** بالبدر يلوح في دياجي الشعر ** لا كيد ولا كرامة للقمر ** الحب جماله مدى الأزمان ** معناه بقي وازداد سنا وخص بالنقصان ** بدر الأفق الصحة والسقام في مقلته ** والجنة والجحيم في وجنته ** من شاهده يقول من دهشته ** هذا وأبيك فر من رضوان ** تحت الغسق للأرض يعيذه من الشيطان ** رب الفلق قد أنبته الله نباتا حسنا ** وازداد على المدى سناء وسنا ** من جاد له بروحه ما غبنا ** قد زين حسنه مع الإحسان ** حسن الخلق لو رمت لحسنه مليحا ثان ** لم يتفق في نرجس لحظه وزهر الثغر ** روض نضر قطافه بالنظر ** قد دبج خده نبات الشعر ** فالورد حواه ناعم الريحان ** بالطل سقي والقد يميل ميلة الأغصان ** للمعتنق أحيا وأموت في هواه كمدا ** من مات جوى في حبه قد سعدا ** يا عاذل لا أترك وجدي أبدا ** لا تعذلني فكلما تلحاني ** زادت حرقي يستأهل من يهم بالسلوان ** ضرب العنق القد وطرفه قناة وحسام ** والحاجب واللحاظ قسي وسهام ** والثغر مع الرضاب كأس ومدام ** والدر منظم مع المرجان ** في فيه نقي قد رصع فوقه عقيق قان ** نظم النسق ومنها قالوا سلا واسترد مضناه ** قلبا أخذا لا والذي لا إله إلا هو ** ما كان كذا عشقته كوكبا من الصغر ** أأترك الوجد وهو كالقمر دبج ديباجته بالشعر ** بدت طرازا كالرقم بالإبر لا والذي زانه فأعطاه ** حسنا وشذا على البرايا إنه الله ** ما كان كذا ولو تقاس الكئوس بالثغر ** وبالثنايا الحباب كالدرر لفضل الثغر صحة النظر ** والصرف في مطعم وفي عطر لو قيس ما فاق من حمياه ** أو ما نبذا إلى رضاب حوته عيناه ** ما كان كذا كل دم الناس فوق وجنته ** قد سفكتها سهام مقلته العفو من نبلها وحدته ** لو صب بهرام كل جعبته واختار من نبلها ونقاه ** سهما نفذا في الأرض من حرقة رماياه ** ما كان كذا وسودها يا حليم خذ بيدي ** أمضي من البيض مع بني أسد لو قيس ما فك محكم الزرد ** من كل ماضي القرون غير صد إلى حسام نضته عيناه ** ماض شحذا على مسن أبدته صدغاه ** ما كان كذا قد سبى الظبي حسن لفتته ** كما سبى الغصن حسن خطرته والشمس خجلى من حسن طلعته ** والبدر في حسنه وبهجته لو قيس أيضا إلى محياه ** في الحسن إذا حفت به هالة عذاراه ** ما كان كذا قاضي مكة شرفها الله ولد سنة ثمان وخمسين وستمائة وسمع من عم جده يعقوب بن أبي بكر الطبري ومن جده وغيرهما وله إجازة من الحافظ أبي بكر بن مسدي كان فقيها شاعرا توفي سنة ثلاثين وسبعمائة ومن شعره أشبيهة البدر التمام إذا بدا ** حسنا وليس البدر من أشباهك مأسور حسنك إن يكن متشفعا ** فإليك في الحسن البديع بجاهك أشفى أسى أعيا الأساة دواؤه ** وشفاه يحصل بارتشاف شفاهك فصليه واغتنمي بقاء حياته ** لا تقطعيه جفا بحق إلاهك
الحافظ الأديب فتح الدين أبو الفتح بن الفقيه أبي عمرو بن الحافظ أبي بكر اليعمري الأندلسي الأشبيلي ثم المصري أجاز له النجيب الحراني وحضر على الشيخ شمس الدين بن العماد الحنبلي وسمع من قطب الدين بن القسطلاني ومن غازي الحلاوي وابن خطيب المزة وخلق قال شيخنا الذهبي كان صدوقا في الحديث حجة فيما ينقله له بصر نافذ بالفن وخبرة بالرجال وطبقاتهم ومعرفة بالاختلاف وقال الشيخ علم الدين البرزالي كان أحد الأعيان معرفة وإتقانا وحفظا وضبطا للحديث وتفهما في علله وأسانيده عالما بصحيحه وسقيمه مستحضرا للسيرة له حظ وافر من العربية وله الشعر الرائق والنثر الفائق وقال ابن فضل الله في مسالك الأبصار أحد أعلام الحفاظ وإما أهل الحديث الواقفين فيه بعكاظ البحر المكثار والحبر في نقل الآثار وله أدب أسلس قيادا من الغمام بأيدي الرياح وأسلم مرادا من الشمس في ضمير الصباح وقال الشيخ صلاح الدين الصفدي كان حافظا بارعا متوعلا هضبات الأدب عارفا متفننا بليغا في إنشائه ناظما ناثرا مترسلا لم يضم الزمان مثله في أحشائه خطه أبهج من حدائق الأزهار وآنق من صفحات الخدود المطرز وردها بآس العذار قلت مولده في ذي الحجة سنة إحدى وسبعين وستمائة وكان من بيت رياسة وعلم ولجده مصنف في منع بيع أمهات الأولاد في مجلد ضخم يدل على علم عظيم وصنف الشيخ فتح الدين كتابا في المغازي والسير سماه عيون الأثر أحسن فيه ما شاء وشرح من الترمذي قطعة وله تصانيف أخر ونظم كثير ولما شغرت مشيخة الحديث بالظاهرية بالقاهرة وليها الشيخ الوالد ودرس بها فسعى فيها الشيخ فتح الدين وساعده نائب السلطنة إذ ذاك ثم لم يتجاسروا على الشيخ فأرسل الشيخ فتح الدين إلى الشيخ يقول له أنت تصلح لكل منصب في كل علم وأنا إن لم يحصل لي تدريس حديث ففي أي علم يحصل لي التدريس فرق عليه الوالد وتركها له فاستمر بها إلى أن مات في حادي عشر شعبان سنة أربع وثلاثين وسبعمائة ومن شعره يا كاتم الشوق إن الدمع مبديه ** حتى يعيد زمان الوصل مبديه أصبو إلى البان بانت عنه هاجرتي ** تعللا بليالي وصلها فيه عصر مضى وجلابيب الصبا قشب ** لم يبق من طيبه إلا تمنيه لو دام عهد اللوى لم تلو ماطلتي ** دينا تقضى زماني في تقاضيه ومنه عهدي به والبين ليس يروعه ** صب براه نحوله ودموعه لا تطلبوا في الحب ثأر متيم ** فالموت من شرع الغرام شروعه عن ساكن الوادي سقته مدامعي ** حدث حديثا طاب لي مسموعه أفدي الذي عنت البدور لوجهه ** إذ حل معنى الحسن فيه جميعه البدر من كلف به كلب به ** والغصن من عطف عليه خضوعه لله معسول المراشف واللمى ** حلو الحديث ظريفه مطبوعه دارت رحيق سلافه فلنا بها ** سكر يجل عن المدام صنيعه يجني فأضمر عتبه فإذا بدا ** فجماله مما جناه شفيعه ومنه قضى ولم يقض من أحبابه أربا ** صب إذا مر خفاق النسيم صبا راض بما صنعت أيدي الغرام به ** فحسبه الحب ما أعطى وما سلبا ما مات من مات في أحبابه كلفا ** ولا قضى بل قضى الحق الذي وجبا فالسحب تبكيه بل تسقيه هامية ** وكيف تبكي محبا نال ما طلبا والغصن نشوان يثنيه الغرام به ** كأنه منحميا وجده شربا وطوقت جيدها الورقاء واختضبت ** له وغنت على أعوادها طربا ومالت الدوحة الغناء راقصة ** تصبو وتنثر من أوراقها ذهبا والروض حمل أنفاس النسيم شذا ** أزهاره راجيا من قربه سببا فرقاه الورد فاستغى به وثنى ** عطفا عليه ومن رجع الجواب أبى ففارقت روضها الأزهار واتخذت ** نحو الرسول سبيلا وابتغت سربا منها لو لم يكن بابلي الريق مبسمه ** لما اكتسى ثغره من دره حببا للأقحوانة مما فيه منظرها ** ولم تنل مثله عرفا ولا ضربا والبرق يخفق لما شام بارقه ** فالمزن تبكي له إذ أعوز الشنبا من لي وللكبد الحرى وللمقلة العبرى ** استهلت وسحت دمعها سحبا ومن لمضنى إذا لج السقام به ** والحب لم يلق إلا روحه سلبا أديب العصر الشيخ جمال الدين ابن شيخنا الشيخ شمس الدين المحدث حامل لواء الشعراء في زمانه ما رأينا أشعر منه ولا أحسن نثرا ولا أبدع خطا له فنون ثلاث لم نر من لحقه ولا قاربه فيها سبق الناس إلى حسن النظم فما لحقه لاحق في شيء منه وإلى أنواع النثر فما قاربه مقارب إلى ذرة منه وإلى بارعة الخط فما قدر معارض على أن يحكي له خطا أو يجاريه في أصول كتابته وإسجامها وجرايانها مولده بالقاهرة سنة ست وثمانين وستمائة ومات بها سنة ثمان وستين وسبعمائة مصنف التنجيز في الفقه وهو التعجيز إلا أنه يزيد فيه تصحيح الخلاف وبعض قيود كان فقيها دينا ورعا تفقه على الشيخ قطب الدين السنباطي وولي القضاء ببعض جوانب القاهرة ومات في خامس عشر ذي القعدة سنة سبع وعشرين وسبعمائة إمام مبرز في المعقولات اشتهر اسمه وبعد صيته ورد إلى دمشق في سنة ثلاث وستين وسبعمائة وبحثنا معه فوجدناه إماما في المنطق والحكمة عارفا بالتفسير والمعاني والبيان مشاركا في النحو يتوقد ذكاء وله على الكشاف حواش مشهورة وشرح الشمسية في المنطق توفي في سادس عشر ذي القعدة سنة ست وستين وسبعمائة بظاهر دمشق عن نحو أربع وسبعين سنة الخطيب بالجامع الصالحي بمصر ثم بالجامع الطولوني سمع من أبي المعالي أحمد بن إسحاق الأبرقوهي وكان إماما في الأصلين والفقه والنحو والمنطق والبيان والطب درس بالمعزية بمصر والشريفية بالقاهرة وشرح منهاج البيضاوي في أصول الفقه وشرح أسولة القاضي سراج الدين في التحصيل وتكلم عليها قرأ عليه الشيخ الإمام الوالد رحمه الله علم الكلام مولده بجزيرة ابن عمر في سنة سبع وثلاثين وستمائة وتوفي بمصر في سادس ذي القعدة سنة إحدى عشرة وسبعمائة شيخ النحاة العلم الفرد والبحر الذي لم يعرف الجزر بل المد سيبويه الزمان والمبرد إذا حمي الوطيس بتشاجر الأقران وإمام النحو الذي لقاصده منه ما يشاء ولسان العرب الذي لكل سمع لديه الإصغاء كعبة علم تحج ولا تحج ويقصد من كل فج تضرب إليه الإبل آباطها وتفد عليه كل طائفة سفرا لا يعرف إلا نمارق البيد بساطها وكان عذبا منهلا وسيلا يسبق ارتداد الطرف وإن جاء منهملا يعم المسير إليه الغدو والرواح ويتنافس على أرج ثنائه مسك الليل وكافور الصباح ولقد كان أرق من النسيم نفسا وأعذب مما في الكؤوس لعسا طلعت شمسه من مغربها واقتعد مصر فكان نهاية مطلبها وجلس بها فما طاف على مثله سورها ولا طار إلا إليه من طلبة العلم قشاعمها ونسورها وازدهرت به ولا ازدهاءها بالنيل وقد رواها وافتخرت به حتى لقد لعبت بأغصان البان مهاب صباها مولده بمطخشارش وهي مدينة مسورة من أعمال غرناطة في أخريات شوال سنة أربع وخمسين وستمائة ونشأ بغرناطة وقرأ بها القراآت والنحو واللغة وجال في بلاد المغرب ثم قدم مصر قبل سنة ثمانين وستمائة وسمع الكثير سمع بغرناطة الأستاذ أبا جعفر بن الزبير وأبا جعفر بن بشير وأبا جعفر بن الطباع وأبا علي بن أبي الأحوص وغيرهم وبمالقة أبا عبد الله محمد بن عباس القرطبي وببجاية أبا عبد الله محمد بن صالح الكناني وبتونس أبا محمد عبد الله بن هارون وغيره وبالأسكندرية عبد الوهاب ابن حسن بن الفرات وبمكة أبا الحسن علي بن صالح الحسيني وبمصر عبد العزيز الحراني وابن خطيب المزة وغازي الحلاوي وخلقا ولازم الحافظ أبا محمد الدمياطي وانتقى على بعض شيوخه وخرج وشغل الناس بالنحو والقراآت سمع عليه الجم الغفير وأخذ عنه غالب مشيختنا وأقراننا منهم الشيخ الإمام الوالد وناهيك بها لأبي حيان منقبة وكان يعظمه كثيرا وتصانيفه مشحونة بالنقل عنه ولما توجهنا من دمشق إلى القاهرة في سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة ثم أمرنا السلطان بالعود إلى الشام لانقضاء ما كنا توجهنا لأجله استمهله الوالد أياما لأجلي فمكث حتى أكملت على أبي حيان ما كنت أقرؤه عليه وقال لي يا بني هو غنيمة ولعلك لا تجده من سفرة أخرى وكان كذلك وكان الشيخ أبو حيان إماما منتفعا به اتفق أهل العصر على تقديمه وإمامته ونشأت أولادهم على حفظ مختصراته وآباؤهم على النظر في مبسوطاته وضربت الأمثال باسمه مع صدق اللهجة وكثرة الإتقان والتحري وشدا طرفا صالحا من الفقه واختصر منهاج النووي وصنف التصانيف السائرة البحر المحيط في التفسير وشرح التسهيل والارتشاف وتجريد أحكام سيبويه والتذكرة والغاية والتقريب والمبدع واللمحة وغير ذلك وله في القراآت عقد اللآلي وله نظم كثير وموشحاته أجود من شعره توفي عشي يوم السبت الثامن والعشرين من صفر سنة خمس وأربعين وسبعمائة بمنزله بظاهر القاهرة ودفن بمقابر الصوفية
أخبرنا شيخنا أبو حيان بقراءتي عليه في يوم الخميس سابع عشري شوال سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة بالمدرسة الصالحية بالقاهرة أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد ابن محمد بن المؤيد الهمذاني بقراءتي عليه أخبرنا أسعد بن أبي الفتوح بن روح وعفيفة بنت أحمد بن عبد الله في كتابيهما قالا أخبرتنا فاطمة الجوزدانية أخبرنا ابن ريذة أخبرنا الطبراني حدثنا جعفر بن حميد بن عبد الكريم بن فروخ بن ديزج بن بلال بن سعد الأنصاري الدمشقي حدثني جدي لأمي عمر بن أبان بن مفضل المديني قال أراني أنس بن مالك الوضوء أخذ ركوة فوضعها عن يساره وصب على يده اليمنى فغسلها ثلاثا ثم أدار الركوة على يده اليمنى وصب على يده اليسرى فغسلها ثلاثا ومسح برأسه ثلاثا فتوضأ وأخذ ماء جديدا لصماخه فمسح صماخه فقلت له قد مسحت أذنيك فقال يا غلام إنهما من الرأس ليس هما من الوجه ثم قال يا غلام هل رأيت وفهمت أو أعيد عليك فقلت قد كفاني وقد فهمت قال فكذا رأيت رسول الله يتوضأ في إسناده شيخ الطبراني وشيخه عمر بن أبان وهما مجهولان ولو صح لكان بتصريحه أنهما من الرأس أقوى دليل على ذلك قال أستاذنا أبو حيان قول أنس ليس هما من الوجه وجه الكلام أن يقول ليستا من الوجه لكنه جعل ليس مثل ما فلم يعملها وذلك في لغة تميم يقولون ليس الطيب إلا المسك وقد أشار لذلك سيبويه في كتابه ونص عليه أبو عمرو بن العلاء في حكاية طويلة جرت بينه وبين عيسى بن عمر الثقفي وقال النحويون قياس من لم يعمل ليس وجعلها كما أن يفصل الضمير معها فيقول ليس أنا قائم كما تقول ما أنا قائم فعلى هذا جاز ليس هما من الوجه كأنه قال ما هما من الوجه قلت صورة الحكاية أن عيسى قال لأبي عمرو ما شيء بلغني عنك قال ما هو قال زعمت أن العرب تقول ليس الطيب إلا المسك فترفع فقال أبو عمرو ليس في الأرض تميمي إلا وهو يرفع ولا حجازي إلا وهو ينصب ثم بعث معه خلفا الأحمر واليزيدي فجاءا إلى حجازي فجهدا به على أن يرفع فلم يفعل وجاءا إلى رجل تميمي فجهدا به على أن ينصب فلم يفعل وقال ليس هذا بلحن قومي فجاء عيسى إلى أبي عمرو فقال بهذا فقت الناس والله لا خالفتك بعدها وقول الشيخ أبي حيان إن أنسا جعل ليس مثل ما قال الشيخ جمال الدين عبد الله بن هشام نحوي هذا الوقت أبقاه الله تعالى ليس ذلك متعينا بل يجوز أن يكون أضمر في ليس ضمير الشأن والحديث وحينئذ فنقول هما من الوجه مبتدأ وخبر والجملة خبر ليس وفصل الضمير واجب لأنه حينئذ معمول للابتداء كما أنه في تخريج أبي حيان كذلك والتخريج الذي ذكرته أولى لأن فيه إبقاء ليس على إعمالها والوجهان مذكوران في قوله وليس منها شفاء النفس مبذول ** وقول أبي حيان إن ذلك لغة بني تميم وإشارته إلى الحكاية ليس بجيد فإن تلك اللغة والحكاية إنما هما فيما إذا انتقض النفي بإلا نحو ليس الطيب إلا المسك وإنما مسئلتنا هذه أن من العرب من يقول ليس زيد قائم فيبطل عملها مع بقاء النفي وهذا الذي يتخرج عليه قول أنس رضي الله عنه وقد مر بي في شرح التصريف الملوكي ليعيش بيت نظير قول أنس رضي الله عنه وهو أبوك يزيد بن الوليد ومن يكن ** هما أبواه لا يذل ويكرما فهنا يتعين أن تكون كان شأنية والجملة بعدها خبر وأن تكون مهملة وما بعدها مبتدأ وخبر ولا يكون قوله هما اسما ليكن لأنه قد فصله ولأن بعده أبواه بالألف وقد يجاب عن هذا بأنه يحتمل أن يكون على لغة قرأت على الأستاذ أبي حيان أخبركم القاضي أبو علي الحسن بن عبد العزيز بن محمد بن أبي الأحوص عن قاضي الجماعة أبي القاسم أحمد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أحمد ابن محمد بن أحمد بن مخلد بن عبد الرحمن بن أحمد بن تقي بن مخلد ابن يزيد القرطبي عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه الإمام أبي عبد الرحمن بقي بن مخلد عن أبي بكر المقدمي عن عمر بن علي وعبد الله بن يزيد عن عبد الرحمن بن زياد عن عبد الرحمن بن رافع عن عبد الله بن عمرو أن النبي مر بمجلسين أحد المجلسين يدعون الله ويرغبون إليه والآخر يتعلمون العلم ويعلمونه فقال ( كل المجلسين خير وأحدهما أفضل من الآخر أما هؤلاء فيتعلمون ويعلمون الجاهل فهم أفضل وأما هؤلاء فيدعون الله ويرغبون إليه إن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم وإنما بعثت معلما ) ثم جلس معهم قلت لا أعرف حديثا اجتمع فيه رواية الأبناء عن الآباء بعدد ما اجتمع في هذا إلا ما أخبرنا به أبو الحسن محمد بن محمد بن الحسن بن نباتة الفارقي المصري المحدث بقراءتي عليه أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق الأبرقوهي أخبرنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن سابور القلانسي أخبرنا أبو المبارك عبد العزيز بن محمد بن منصور الشيرازي أخبرنا رزق الله بن عبد الوهاب التميمي إملاء سمعت أبي أبا الفرج عبد الوهاب يقول سمعت أبي أبا الحسن عبد العزيز يقول سمعت أبي أبا بكر الحارث يقول سمعت أبي أسدا يقول سمعت أبي الليث يقول سمعت أبي سليمان يقول سمعت أبي الأسود يقول سمعت أبي سفيان يقول سمعت أبي يزيد يقول سمعت أبي أكتمة يقول سمعت أبي الهيثم يقول سمعت أبي عبد الله يقول سمعت رسول الله يقول ( ما اجتمع قوم على ذكر الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ) أخبرنا أبو حيان بقراءتي عليه عن القاضي الأصولي المتكلم على مذهب الأشعري أبي الحسن محمد بن أبي عامر بن أبي الحسين القرطبي عن أبي الحسن علي بن أحمد الغافقي الشقوري عن القاضي أبي الحسن شريح بن محمد بن شريح قال كتب إلي الحافظ أبو محمد علي بن أحمد بن حزم الظاهري وأنشد لنفسه هذا من عذيري من أناس جهلوا ** ثم ظنوا أنهم أهل النظر ركبوا الرأي عنادا فسروا ** في ظلام تاه فيه من عبر وطريق الحق نهج مهيع ** مثل ما أبصرت في الأفق القمر فهو للإجماع والنص الذي ** ليس إلا في كتاب أو أثر أنشدني شيخنا أبو حيان لنفسه بقراءتي عليه عداتي لهم فضل علي ومنة ** فلا أذهب الرحمن عني الأعاديا هم بحثوا عن كلتي فاجتنبتها ** وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا وأنشدني لنفسه بقراءتي عليه أيضا راض حبيبي عارض قد بدا ** يا حسنه من عارض رائض وظن قوم أن قلبي سلا ** والأصل لا يعتد بالعارض وأيضا سبق الدمع بالمسير المطايا ** إذ نوى من أحب عني نقله وأجاد السطور في صفحة الخد ** ولم لا يجيد وهو ابن مقله وأيضا يظن الغمر أن الكتب تجدي ** أخا ذهن لإدراك العلوم وما يدري الجهول بأن فيها ** غوامض حيرت عقل الفهيم إذا رمت العلوم بغر شيخ ** ضللت عن الصراط المستقيم وتلتبس الأمور عليك حتى ** تصير أضل من توما الحكيم وأيضا قد سباني من بني الترك رشا ** جوهري الثغر مسكي النفس ناظري للورد منه غارس ** ما له لا يجتني مما غرس قد حكى شمسا وغصنا ونقا ** في انبلاج وارتجاج وميس ضيق العينين تركيهما ** واسع الوجنة خزي المجس أصبحت عقرب خديه معا ** لجني الورد في الخد حرس وغدا ثعبان دبوقته ** جائلا في عطفه مهما ارتجس لست أخشى سيفه أو رمحه ** إنما أرهب لحظا قد نعس اختلسنا بعد هجر وصله ** إن أهنى الوصل ما كان خلس لست أنساه وقد أطلع من ** راحه شمسا أضاءت في الغلس ورمى العمة فالتاج لنا ** فرق شعر دق مبد ما التبس لمس الكأس لكي يشربها ** وتحسى الكأس في فرد نفس وغدا يمسح بالمنديل ما ** أبقت الخمرة في ذاك اللعس عجبا منها ومنه قهقهت ** إذ حساها وهو منها قد عبس فهذه نبذة من مقروآتي على شيخنا أبي حيان وأنشدنا لنفسه ما مدحني بهما وأنا ابن ثلاث سنين وهما عندي بخطه وعليهما خط الوالد رحمه الله ألا إن تاج الدين معارف ** وبدر هدى تجلى به ظلم الدهر سليل إمام قل في الناس مثله ** فضائله تربو على الزهر والزهر وأنشدنا لنفسه إجازة إن لم يكن سماعا قصيدته التي امتدح بها الشافعي رضي الله عنه ومطلعها غذيت بعلم النحو إذ در لي ثديا ** فجسمي به ينمي وروحي به تحيا وقد طال تضرابي لزيد وعمره ** وما اقترفا ذنبا ولا تبعا غيا وما نلت من ضربيهما غير شهرة ** بغن ما يجدي اشتهار به شيا ألا إن علم النحو قد باد أهله ** فما إن ترى في الحي من بعدهم حيا سأتركه ترك الغزال لظله ** وأبعه هجرا وأوسعه نأيا وأسموا إلى الفقه المبارك إنه ** ليرضيك في الأخرى ويحظيك في الدنيا هل الفقه إلا أصل دين محمد ** فجرد له عزما وجدد له سعيا وكن تابعا للشافعي وسالكا ** طريقته تبلغ به الغاية القصيا ألا بابن إدريس قد اتضح الهدى ** وكم غامض أبدا وكم دارس أحيا سمي الرسول المصطفى وابن عمه ** فناهيك مجدا قد سما الرتبة العليا هو استنبط الفن الأصولي فاكتسى ** به الفقه من ديباج إنشائه وشيا وهي قصيدة مطولة وقصيدته التي امتدح بها البخاري رضي الله عنه ومطلعها أسامع أخبار الرسول لك البشرى ** لقد سدت في الدنيا وقد فزت بالأخرى وأنشدنا لنفسه إجازة قصيدته التي عارض بها بانت سعاد ومطلعها لا تعذلاه فما ذو الحب معذول ** العقل مختبل والقلب متبول هزت له أسمرا من خوط قامتها ** فما انثنى الصب إلا وهو مقتول جميلة فصل الحسن البديع لها ** فكم لها جمل منه وتفصيل فالنحر مرمرة والنشر عنبرة ** والثغر جوهرة والريق معسول والطرف ذو غنج والعرف ذو أرج ** والخصر مختطف والمتن مجدول هيفاء ينبس في الخصر الوشاح لها ** درماء يخرس في الساق الخلاخيل من اللواتي علاهن النعيم فما ** يشقين آباؤها الصيد البهاليل ومنها نزر الكلام عييات الجواب إذا ** يسألن رقد الضحى حصر مكاسيل فشق حيزوم هذا الليل ممتطيا ** أخا حزام به قد يبلغ السول أقب أقود يعزى للوجيه له ** وجه أغر وفي الرجلين تحجيل منها جفر حوافره معر قوائمه ** ضمر أياطله والذيل عثكول منها واصل سراك بسير يا ابن أندلس ** والطرف أدهم بالأشطان مغلول يلاطم الريح منه أبيض يقق ** له من السحر المربد إكليل يعلو خضارة منه شامخ جلل ** سام طفا هو بالنكباء محمول كأنما هو في طخياء لجته ** أيم يفري أديم الماء شمليل منها فللرسول انشقاق البدر يشهده ** كما لموسى انفلاق البحر منقول ومن موشحاته إن كان ليل داج وخاننا الإصباح ** فنورها الوهاج يغني عن المصباح سلافة تبدو ** كالكوكب الأزهر مزاجها شهد ** وعرفها عنبر يا حبذا الورد ** منها وإن أسكر قلبي بها قد هاج فما تراني صاح ** عن ذلك المنهاج وعن هوى يا صاح وبي رشا أهيف ** قد لج في بعدي بدر فلا يخسف ** منه سنا الخد بلحظه المرهف ** يسطو على الأسد كسطوة الحجاج في الناس والسفاح ** فما ترى من ناج من لحظة السفاح علل بالمسك ** قلبي رشا أحور منعم المسك ** ذو مبسم أعطر رياه كالمسك ** وريقه كوثر غصن على رجراج طاعت له الأرواح ** فحبذا الآراج إن هبت الأرواح مهلا أبا القاسم ** على أبي حيان ما إن له عاصم ** من لحظك الفتان وهجرك الدائم ** قد طال بالهيمان فدمعه أمواج وسره قد لاح ** لكنه ما عاج ولا أطاع اللاح يا رب ذي بهتان ** يعذل في الراح وفي هوى الغزلان ** دافعت بالراح وقلت لا سلوان ** عن ذاك يا لاحي سبع الوجوه والتاج هي منية الأفراح ** فاختر لي يا زجاج قمصال وزوج أقداح غيره عاذلي في الأهيف الأنس ** لو رآه كان قد عذرا رشأ قد زانه الحور ** غصن من فوقه قمر قمر من سحبه الشعر ** ثغر في فيه أم درر حال بين الدر واللعس ** خمرو من ذاقها سكر رجة بالردف أم كسل ** ريقه بالثغر أم عسل وردة بالخد أم خجل ** كحل بالعين أم كحل يا لها من أعين نعس ** جلبت لناظري سهرا مذ نأى عن مقلتي سني ** ما أذيقا لذة الوسن طال ما ألقاه من شجن ** عجبا ضدان في بدن بفؤادي جذوة القبس ** وبعيني الماء منفجرا قد أتاني الله بالفرج ** إذ دنا مني أبو الفرج قمر قد حل في المهج ** كيف لا يخشى من الوهج غيره لو صابه نفسي ** ظنه من حره شررا نصب العينين لي شركا ** فانثنى والقلب قد ملكا قمر أضحى له فلكا ** قال لي يوما وقد ضحكا أنت جئت من أرض أندلس ** نحو مصر تعشق القمرا
منع الشيخ أبو حيان أن يقال ما أعظم الله وما أحلم الله ونحو ذلك ونقل هذا عن أبي الحسن ابن عصفور احتجاجا بأن معناه شيء عظمه أو حلمه وجوزه الإمام الوالد محتجا بقوله تعالى وللوالد تصنيف في تجويز ذلك أحسن القول فيه قلت وفي شرح ألفية ابن معطي لأبي عبد الله محمد بن إلياس النحوي وهو متأخر من أهل حماة سأل الزجاج المبرد فقال كيف تقول ما أحلم الله وما أعظم الله فقال كما قلت فقال الزجاج وهل يكون شيء حلم الله أو عظمه فقال المبرد إن هذا الكلام يقال عندما يظهر من اتصافه تعالى بالحلم والعظمة وعند الشيء يصادف من تفضله فالمتعجب هو الذاكر له بالحلم والعظمة عند رؤيته إياهما عيانا وقد نقل الوالد معنى هذه الحكاية في تصنيفه عن كتاب الإنصاف لابن الأنباري وذكر من التأويل أن يعني بالشيء نفسه أي إنه عظم نفسه أو إنه عظيم بنفسه لا شيء جعله عظيما
أفادنا شيخنا أبو حيان أن أبا الحسن حازم بن أبي عبد الله بن حازم كان نحويا أديبا بارعا شاعرا مفلقا امتدح بعض خلفاء الغرب الذين ملكوا مدينة تونس بقصيدة طنانة ضمنها علم النحو أولها الحمد لله معلي قدر من علما ** وجاعل العقل في سبل الهدى علما ثم الصلاة على الهادي لسنته ** محمد خير مبعوث به اعتصما منها يمتدح الخليفة مردي العداة بسهم من عزائمه ** كأنه كوكب للقذف قد رجما أدام قول نعم حتى إذا اطردت ** نعماه من غير وعد لم يقل نعما منها إن الليالي والأيام مذ خدمت ** بالسعد ملكك أضحت أعبدا وإما لقد وقعت عمادا للعلا فغدا ** يعلو قياما ويعلو قدره قيما أقمتم وزن عدل الشمس فاعتدلت ** فلم يدع نورها ظلما ولا ظلما منها يذكر تونس كأنما الصبح منها ثغر مبتسم ** وحوة الليل فيها حوة ولمى منها أبدلت تفقية من بيت ممتدح ** أوردته مثلا في رعيك الأمما وكلت بالدهر عينا غير غافلة ** من جود كفك تأسو كل من كلما منها من باب المعتدي لاثنين فباب أعطى كسا منه ومنه سقى ** كما تقول سقاك الله صوب سما ومنه أولى وآتى مثل قولهم ** أولاك ربي نعيم العيش والنعما من باب المعتدي لثلاثة وقاس بالهمزة النقل ابن مسعدة ** في باب ظن وفيها خالف القدما من باب كان وأخواتها تقول ما زلت مفضالا وما برحت ** منك السجايا توالي الجود والكرما من باب الاستثناء والقول في باب الاستثناء متسع ** وقد يخالف فيه جلة الزعما وقد تبله قوم فيه لا سيما ** من عد بله في الاستثنا ولا سيما من نواصب الفعل واعدد لكيلا وكيلا ثم كي ولكي ** وليس يمنع من نصب زيادة ما منها والعرب قد تحذف الأخبار بعد إذا ** إذا عنت فجأة الأمر الذي دهما وربما نصبوا بالحال بعد إذا ** وربما رفعوا من بعدها ربما فإن تلاها ضميران اكتسى بهما ** وجه الحقيقة من إشكاله غمما لذاك أعيت على الأفهام مسألة ** أهدت إلى سيبويه الهم والغمما قد كانت العقرب العوجاء أحسبها ** قدما أشد من الزنبور وقع حما وفي الجواب عليها هل إذا هو هي ** أو هل إذا هو إياها قد اختصما وخطأ ابن زياد وابن حمزة في ** ما قال فيها أبا بشر وقد ظلما وغاظ عمرا علي في حكومته ** يا ليته لم يكن في مثلها حكما كغيط عمرو عليا في حكومته ** يا ليته لم يكن في أمره حكما وفجع ابن زياد كل منتحب ** من أهله إذ غدا منه يفيض دما كفجعة ابن زياد كل منتحب ** من أهله إذ غدا منه يفيض دما فظل بالكرب مكظوما وقد كربت ** بالنفس أنفاسه أن تبلغ الكظما قضئت عليه بغير الحق طائفة ** حتى قضى هدرا ما بينهم هدما من كل أجور حكما من سدوم قضى ** عمرو بن عثمان مما قد قضى سدما حساده في الورى صمت فكلهم ** تلفيه منتقدا للقول منتقما فما النهى ذمما فيهم معارفها ** وما المعارف في أهل النهى ذمما فأصبحت بعده الأنفاس كابية ** في كل صدر كأن قد كظ أو كظما وأصبحت بعده الأنقاس نادبة ** في كل طرس كدمع سح وانسجما وليس يخلو امرؤ من حاسد أضم ** لولا التنافس في الدنيا لما أضما فكم مصيب عزا من لم يصب خطأ ** له وكم ظالم تلقاه مظلما والغبن في العلم أشجى محنة علمت ** وأبرح الناس شجوا عالم هضما توضيح هذه الأبيات قوله والعرب قد تحذف الأخبار بعد إذا البيت يعني أن العرب قد تحذف خبر المبتدأ الواقع بعد إذا الفجائية تقول خرجت فإذا الأسد أي حاضر والغالب أن يذكر الخبر بعدها حتى إنه لم يقع في كتاب الله إلا مذكورا نحو وقوله إذا عنت فجأة البيت أي إذا كانت إذا الفجائية لا الشرطية فإن الشرطية لا تدخل إلا على الجمل الفعلية بخلاف الفجائية فإنها تختص بالاسمية وقد اجتمعتا في قوله تعالى قوله فإن تلاها ضميران أي إن وقع بعد الفجائية ضميران نحو قولك فإذا هو هي الأصل فإذا هو مثلها فهو مبتدأ ومثل خبر وها مضاف إليه ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فارتفع وانفصل وصار فإذا هو هي ومن قال فإذا هو إياها فالأصل فإذا هو يشبهها فهو مبتدأ ويشبهها فعل وفاعل ومفعول والجملة خبر ثم حذف الفعل والفاعل وبقي المفعول فانفصل فصار فإذا هو إياها ونظيره في حذف الخبر وبقاء معموله قراءة علي رضي الله عنه {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} أي ونحن نوجد عصبة وقول النابغة الجعدي وحلت سواد القلب لا أنا باغيا ** سواها ولا في حبها متراخيا التقدير لا أنا أوجد باغيا قوله وغاظ عمرا علي يريد بعمرو سيبويه وبعلي الكسائي رحمهما الله قوله كغيظ عمرو عليا يريد بعمرو عمرو بن العاص وبعلي علي بي أبي طالب رضي الله عنهما مشيرا بذلك إلى ما وقع في مسئلة التحكيم في قصة علي ومعاوية رضي الله عنهما وابتلاؤهما في ذلك وما اتفق من عمرو بن العاص في قوله أقررت معاوية بعد أن استنزل أبا موسى حتى فصل عليا مشهور وليس قوله حكما في هذا البيت بعد قوله حكما إيطاء فإن القافيتين ليستا متوافقتين بل إحداهما حكم اسم والأخرى حكم فعل ماض وقد أخذ شاعر عصرنا الشيخ جمال الدين ابن نباتة أكثر أبيات ملحة الإعراب للحرير فضمنها وجعلها قصيدة امتدح به الشيخ الإمام الوالد وهي صرفت فعلي في الأسى وقولي ** بحمد ذي الطول الشديد الحول يا لائما ملامه يطول ** اسمع هديت الرشد ما أقول كلامك الفاسد لست أتبع ** حد الكلام ما أفاد المستمع أفدي غزالا مثلوا جماله ** في مثل قد أقبلت الغزاله ما قال مذ ملك قلبي واسترق ** كقولهم رب غلام لي أبق للقمرين وجهه مطالع ** فهي ثلاث ما لهم رابع لأحرف الحسن في خديه خط ** وقال قوم إنها اللام فقط داني المزار يحذر الضنين ** عليه مثل بان أو يبين كتمته فالحسن ليس يجتلى ** والاسم ما يدخله من والي منفرد بالوصل في دار الهنا ** مثاله الدار وزيد وأنا لا يختشي تلاعب الظنون ** والأمر مبني على السكون في خده التبري هان نشبي ** وقيمه الفضة دون الذهب فاصرف عليه ثروة تستام ** فما على صارفها ملام وإن رأيت قده العالي فصف ** وقف على المنصوب منه بالألف والعارض النوني ما أنصفته ** وإن تكن باللام قد عرفته واها له بحرف نون قد عرف ** كمثل ما تكتبه لا يختلف يأتي بنقط الخال في إعجام ** وتارة يأتي بمعنى اللام دونك إن عشقته بين الورى ** معظما لقدره مكبرا وإن ترد وجنته المنيره ** فصغر النار على نويره كم ومتى جادلت فيه من عذل ** ولا وحتى ثم أو وأم وبل للحظه المسكر فعل مطرب ** مفعوله مثل سقى ويشرب فلا تلم عويشقا فيه تلف ** ولا سكيران الذي لا ينصرف لا تلح قلبي في الهوى فتتعبا ** وما عليك عتبه فتعتبا جسمي وذاك الخصر والجفن الدنف ** هن حروف الاعتلال المكتنف فيا مليحا عنه أخرت القمر ** إما لتهوان وإما لصغر كرر فما أحلى لسمع السامي ** قولك يا غلام يا غلامي وارفق بمضناك فما سوى اسمه ** ولا تغير ما بقي من رسمه وقد حكى العذار في الوقوف ** فاعطف على سائلك الضعيف أفقرت في الحسن الغواني مثل ما ** قالوا حذام وقطام في الدما فافخر بمعنى لحظك المعشوق ** في كل ما تأنيثه حقيقي يالك لحظا بسعاد أزرى ** وجاء في الوزن مثل سكرى حتى اسمها مستنقص لمن وعا ** كما تقول في سعاد يا سعا يا ناصبا أوصاف ذياك الصبا ** ثم الكلام عنده فلينصبا هيهات بل دع عنك ما أضنى وما ** وعاص أسباب الهوى لتسلما وحبر الأمداح في علي ** قاضي القضاة الطاهر النقي بكل معنى قد تناهى واستوى ** في كلم شتى رواها من روى باكر إلى ذاك الحمى العالي وصف ** إذا اندرجت قائلا ولا تقف دونك والمدح زكيا معجبا ** مثل لقيت القاضي المهذبا ذو الجود والعلم عليه أرسى ** وهكذا أصبح ثم أمسى فاضرع إلى قار لقاه نافع ** وافزع إلى حام حماه مانع يقول للضيف قراه حب وحل ** ومثله ادخل وانبسط واشرب وكل إذا ظفرت عنده بموعد ** يقول كم مال أفادته يدي له يراع كم له من خطره ** جمانة منظومة مع دره شم فعله عند الندى والبأس ** فإنه ماض بغير لبس لله ما ألينه عند العطا ** وما أحد سيفه حين سطا ندب له يثني الثناء قصده ** وخلفه وإثره وعنده إن قال قولا بين الغرائبا ** وقام قس في عكاظ خاطبا وإن سخا أتى على ذي العدد ** والكيل والوزن ومذروع اليد حفظك للسمع عن العذال ** فماله مغير بحال للفضل جنس بيته المهني ** ونوعه الذي عليه يبنى سام به أهل العلا جميعا ** ولا تخف ردا ولا تقريعا وإن ذكرت أفق بيت قد نما ** فانصب وقل كم كوكبا تحوي السما بيت نظيم المجد والعلاء ** عند جميع العرب العرباء يقر من يأتي له أو اقترب ** وكل منسوب إلى اسم في العرب تقول مصر من علاه الواجبه ** كقول سكان الحجاز قاطبه أسسه الأنصار طلاع الفتن ** وزاد مبنى حسنه أبو الحسن جار إذا ما امتدت الآساد ** تقول هذا طلحة الجواد إذا اجتليت في الخطا جبينه ** أو اشتريت في الرجا ثمينه تقول أصرت الهلال لائحا ** وقد وجدت المستشار ناصحا كم بالغني منه تولى راحل ** وواقفا بالباب أضحى السائل فياض سيب في الورى فلم يقل ** في هبة يا هب من هذا الرجل قال له الحكم امض ما تحاوله ** واقض قضاء لا يرد قائله وأنت يا قاصده سر في جدد ** واسع إلى الخيرات لقيت الرشد فاخر به سحب الحيا إن صابا ** واستوت المياه والأخشايا ولا تقل كان غماما ورحل ** كان وما انفك الفتى ولم يزل باب سواه اهجر عداك عيب ** وصغر الباب فقل بويب جود به أنسى أحاديث المطر ** فليس يحتاج لها إلى خبر مثل الهبا فيه كلام العذل ** والريح تلقاء الحيا المنهل يا رب بحر عمته للشعر ** وغصت في البحر ابتغاء الدر حتى ملا عيني نداه عينا ** وطبت نفسا إذ قضيت الدينا دونكها معسولة الآداب ** حلاوة في ملحه الإعراب مضى بها الليل بهي الأنجم ** وبات زيدا ساهرا لم ينم فافتح لها باب قبول يجتلى ** وإن تجد عيبا فسد الخللا لا زلت مسموع الثنا ذا متن ** جائلة دائرة في الألسن ما لعداك راية تقام ** فليس غير الكسر والسلام شيخنا قاضي القضاة شمس الدين بن النقيب الحاكم بحمص ثم طرابلس ثم حلب ثم مدرس الشامية البرانية وصاحب النووي وأعظم بتلك الصحبة رتبة علية وله الديانة والعفة والورع الذي طرد به الشيطان وأرغم أنفه وكان من أساطين المذهب وجمرة نار ذكاء إلا أنها لا تتلهب سمع من أحمد بن أبي بكر بن الحموي وأبي الحسن بن البخاري وأبي حامد ابن الصابوني وأحمد بن شيبان وزينب بنت مكي وغيرهم مولده تقريبا في سنة اثنتين وستين وستمائة سمعته يقول قال لي النووي يا قاضي شمس الدين لا بد أن تلي تدريس الشامية فولي القضاء ثم الشامية وكان ابن النقيب يقول إنه ما يموت إلا ليلة الجمعة فكان كذلك ووافق ثاني عشر ذي القعدة سنة خمس وأربعين وسبعمائة بالمدرسة الشامية ودفن بقاسيون أخبرنا محمد بن أبي بكر الفقيه سماعا عليه أخبرنا أبو الحسن بن البخاري أخبرنا حنبل بن عبد الله أخبرنا هبة الله بن محمد الشيباني أخبرنا الحسن بن علي ابن المذهب أخبرنا أبو بكر بن حمدان أخبرنا عبد الله بن أحمد حدثني أبي حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عبد الملك بن عمير قال سمعت عمرو بن حريث قال سمعت سعيد بن زيد رضي الله عنه يقول سمعت النبي يقول ( الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين ) وأخبرناه عاليا بدرجتين فاطمة بنت إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر بقراءتي عليها أخبرنا محمد بن عبد الهادي بن يوسف المقدسي كتابة عن شهدة بنت أحمد أخبرنا طراد بن محمد أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق أخبرنا محمد بن يحيى بن عمر الطائي أخبرنا جد أبي علي بن حرب حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن عمرو بن حريث عن سعيد بن زيد عن النبي قال ( الكمأة من المن الذي أنزله اله على بني إسرائيل وماؤها شفاء للعين ) أخرجه البخاري ومسلم عن أبي موسى محمد بن المثنى عن محمد بن جعفر وأخرجه مسلم أيضا عن ابن أبي عمر عن سفيان بن عيينة فوقع لنا بدلا عاليا للبخاري ومسلم في الرواية الأولى ولمسلم وحده في الثانية حدث عن أبي بكر بن الأنماطي والأبرقوهي وابن دقيق العيد وتولى قضاء الإسكندرية ثم لما مات الشيخ علاء الدين القونوي ولي قضاء الشام وكان رجلا حسنا دينا محبا للعلم استكتب شرح المنهاج للوالد رحمه الله وبلغني عنه أنه كان يقول ما للشام قاض إلا السبكي فهذه منه مكاشفة مولده في عاشر شهر رجب سنة أربع وستين وستمائة وتوفي بدمشق ثالث عشر ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة وفيه يقول شاعر وقتنا جمال الدين بن نباتة قاضي القضاة بيمنى كفه القلم ** يا ساري القصد هذا البان والعلم هذا اليراع الذي تجني الفخار به ** يد الإمام الذي معروفه أمم معيي الأماثل في علم وفيض ندى ** فالسحب باكية والبحر يلتطم وافى الشآم وما خلنا الغمام إذا ** بالشام ينشأ من مصر وينسجم آها لمصر وقد شابت لفرقته ** فليس ينكر إذ يعزى لها الهرم وأوحش الثغر من رؤيا محاسنه ** فما يكاد بوجه الزهر يبتسم ينشي وينشد فيه الشعر من أسف ** بيتا تكاد به الأحشاء تضطرم يا من يعز علينا أن نفارقهم ** وجداننا كل شيء بعدكم عدم كان رجلا فاضلا من بيت الخير والصلاح والزهد لجدهم الشيخ الكبير ولي الله أبي بكر صاحب الكرامات الظاهرة وقد قدمنا ذكره ولد هذا نور الدين بعد سنة عشرين وسبعمائة أراه سنة إحدى وعشرين وطلب العلم وسمع الحديث ودرس بعد وفاة والده بالرباط الناصري بقاسيون وتوفي ليلة مستهل جمادى الأولى سنة خمس وستين وسبعمائة بالصالحية ظاهر دمشق
|